خطبة الجمعة 21 يناير 2022م “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها” ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 21 يناير 2022م : “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها” ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 18 جمادي الآخرة 1443هـ – الموافق 21 يناير 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يناير 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها”.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يناير 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها” ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 يناير 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها”، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها”، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
(1) اهتمامُ الإسلامِ بالأسرةِ.
(2) ضوابطُ بناءِ الأسرةِ، وسبلُ الحفاظِ في الإسلامِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة “ضوابط بناء الأسرة وسبل الحفاظ عليها”، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان «ضوابطُ بناءِ الأسرةِ، وسبلُ الحفاظِ عليها»
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أمّا بعدُ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) اهتمامُ الإسلامِ بالأسرةِ:
لقد أولَى الإسلامُ بالأسرةِ عنايةً فائقةً، واهتمَّ بها اهتمامًا خاصًا؛ لما تؤدِّيهِ مِن دورٍ حيويٍ في بقاءِ النسلِ البشريِّ، واستمرارِ الحياةِ على هذه البسيطةِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾، وهي بمثابةِ اللبنةِ الأُولى في إعدادِ المجتمعِ القويمِ، فالعلاقةُ بينَ الرجلِ والمرأةِ ليستْ صفقةً تجاريةً بينَ شريكين، ولا ضرورةً لإشباعِ رغباتِ الجسدِ فحسب، وإنَّمَا هي علاقةٌ إنسانيةٌ جديرةٌ بالاحترامِ والتقديرِ، إذ هي ميثاقٌ بين الزوجِ وزوجهِ، وبين الزوجينِ والأبناءِ، وبين هؤلاءِ جميعًا والأبوين، وهي التي تُشكلُ حجرَ الأساسِ في البناءِ المجتمعِي، بل تمتدُ حتى بعدَ الموتِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» (مُسْلِمٌ)، ولذا يكونُ صلاحُ الأبناءِ شفاعةً للآباءِ، وقرةً لأعينهِم كما قال ربُّنَا: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً﴾، بل رفقاءَ لهم في الجنةِ «وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَمَلَهُمْ؛ لِتَقَرَّ أَعْيُنُ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ عِنْدَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَرْفَعَ النَّاقِصَ الْعَمَلِ بِكَامِلِ الْعَمَلِ، وَلَا يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَاكَ» قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) ضوابطُ بناءِ الأسرةِ، وسبلُ الحفاظِ في الإسلامِ:
وضعَ الإسلامُ عدةَ ضوابطٍ لبناءِ الأسرةِ والحفاظِ عليها منها:
*حسنُ الاختيارِ: رَغَّبَ دينُنَا الرجلَ أنْ يحسنَ اختيارَ الزوجةِ الصالحةِ، وكذا المرأةَ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» (متفق عليه)، فحددَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهمَّ الأُسسِ التي بها يختارُ الإنسانُ شريكَ حياتِهِ وهى«الخُلقُ، المالُ، الحسبُ، الجمالُ»، وهذه الأشياءُ الأربعُ عليها مدارُ طلبِ الإنسانِ ولا تخرجُ عنها، وأخّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الدينَ»؛ لأنّه هو الأساسُ المتينُ الذي تقومُ عليه الرابطةُ الأسريةُ وبهِ تدومُ، ثم تأتي المعاييرُ بعدَهُ تباعًا، ولذا ذمَّ نبيُّنَا مَن يرفضُ صاحبَ الأخلاقِ الفاضلةِ والسلوكِ القويمِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» (سنن الترمذي)، بل بَشَّرَ مَن يتركُ صاحبةَ الأخلاقِ الفاضلةِ بالفقرِ وضيقِ الحالِ فقولُهُ: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» أَيْ لَصِقَتَا بِالتُّرَابِ وَهِيَ كِنَايَةٌ عَن الْفقرِ؛ ولأنّ باقي المواصفاتِ قد تذهبُ بين عشيةٍ وضحاهَا، فالجمالُ يبلَى مع مرورِ الأيامِ، والمالُ قد يذهبُ مع تقلباتِ الأحوالِ، والفخرُ بالنسبِ لا دخلَ للإنسانِ في اختيارِهِ، وكُلُّنا لآدامَ وآدامَ من ترابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ، فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ، وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ، فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ، وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلَأَمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ» (ابن ماجه)، أمّا إذا كان الاختيارُ قائمًا على الخُلقِ فإنّ الرجلَ سيحترمُ زوجَهُ ويكرمُهَا أحبَّها أو كرهَها، مع الأخذِ في الاعتبارِ بأنّ الكفاءةَ في الزواجِ معتبرةٌ عندَ الفقهاءِ – وهو قولٌ للشافعيةِ والحنفيةِ – من الناحيةِ الإقتصاديةِ والثقافيةِ والاجتماعيةِ وغيرِهَا؛ لأنّ هذا أبقَى لاستمرارِ عشِّ الزوجيةِ، وهناءِ الحياةِ الأسريةِ.
وتابع الدكتور محروس حفظي في خطبة الجمعة القادمة
*الإلتزامُ والوفاءُ بالحقوقِ الزوجيةِ: الزواجُ في الإسلامِ ليس مجردَ وسيلةٍ مشروعةٍ لقضاءِ شهوةٍ أو رغبةٍ فقط، بل هو رباطٌ مقدسٌ له حقوقٌ وواجباتٌ حريٌّ بكلِّ شابٍ وفتاةٍ أنْ يعيهَا، ويقفَ عليها قبلَ الإقدامِ على هذا المشروعِ الذي سيترتبُ عليه أولادًا وزوجًا سيسألُ عنهما يومَ القيامةِ، فيجبُ على الزوجين أنْ يعلمَا ما لهمَا وما عليهمَا؛ لتسودَ المودةُ والمحبةُ بينهما، من هذه الحقوقِ وجوبُ النفقةِ على الزوجِ ، قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾، ولذا أجازَ الإسلامُ للمرأةِ أنْ تأخذَ من مالِ زوجِهَا ما يكفيهَا بالمعروفِ إنْ كان لا يحسنُ النفقةَ عليها، أو يبخلُ عليها مع قدرتِهِ، ويُسرِ حالِهِ، فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِيِّ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» (البخاري) .
ومن الحقوقِ التي أُسِيءَ فهمُهَا لدَي كثيرٍ من الرجالِ «القوامةَ» حسبمَا نصَّ قولُهُ تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾، «القوامةُ» تكليفٌ ومسؤوليةٌ، وليستْ تشريفًا وتكريمًا للرجلِ، وليستْ أداةً للتسلطِ على المرأةِ وإذلالِهَا، والتقليلِ من كرامتِهَا وشأنِهَا – كما يعتقدُ البعضُ – ، فالحياةُ الأسريةُ قائمةٌ على المشورةِ والتعاونِ المشتركِ بينَ الزوجينِ في اتخاذِ القراراتِ، وهناك مواقفٌ كثيرةٌ شاورَ فيها رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجاتِهِ لعلَّ مِن أهمِّهَا مشورةَ أمِّ سلمة َيومَ الحديبيةِ إذْ جنبتْ المسلمين فتنةً عظيمةً، وذلك أنّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صالحَ أهلَ مكةَ قال لأصحابِهِ «قُومُوا، فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ، فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ، ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ، فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ: نَحَرَ هَدْيَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا» (البخاري)، وتلك الأسرةُ هي التي ستنقلُ هذه المعاني القيمةَ إلى المجتمعِ من حولِهَا، فيسعدُ وينشأُ في حالةٍ يغلبُ عليها الرحمةُ والمعاملةُ بالمعروفِ، أمّا إذا اعتادتْ التسلطَ والتحكمَ فعادةً لا تقبلُ نصيحةً، ولا تهتدِي بمشورةٍ، ولا تقنعُ برأيٍ.
*المودةُ والرحمةُ: إنّ العلاقةَ الزوجيةَ يجبُ أنْ تكونَ قائمةً على المودةِ والرحمةِ مصداقًا لقولِهِ تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، فالحياةُ لا تسيرُ على وتيرةٍ واحدةٍ، لذا يجبُ على الزوجينِ أنْ يتحملَ بعضُهُمَا بعضًا، قال تعالى: ﴿وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾، وينظرَا إلى الجانبِ المشرقِ والحسنِ في كلٍّ منهمَا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ» (مسلم)، وتأملْ قولَ اللهِ تعالى: ﴿هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ﴾ تجدْ فيه معنًى لطيفًا دقيقًا – ما تعجزُ الأقلامُ عن رسمِهِ والألسنةُ عن وصفِهِ- لما بينَ الرجلِ وزوجهِ مِن شدةِ الاتصالِ والمودةِ، واستتارِ كلِّ واحدٍ منهما بصاحبِهِ، فاللباسُ كما يسترُ جسدَ الإنسانِ من تقلباتِ الحرِّ والبردِ، ومن نظرِ الناسِ إليهِ، فكذا الزوجُ والزوجةُ كلاهُمَا سترٌ للآخرِ من عواصفِ الحياةِ، وأمواجِ الفتنِ.
والمتصفحُ لسيرةِ خيرِ البريةِ يجدُ تجاوزَهُ وتغافلَهُ ومداراتِهِ لأهلِ بيتِهِ، فقد كان يخفضُ الجناحَ لهم، ويلينُ الكلامَ، ويتركُ الإغلاظَ لهم في القولِ، وهذا مِن أقوى أسبابِ الألفةِ، فتصورُ لنا أنّه كان رؤوفًا رحيمًا، لطيفًا رقيقًا، لا جبارًا غليظًا عنيدًا، فعن أنسِ بنِ مالكٍ قال: «كانتْ صفيةُ مع رسولِ اللهِ في سفرٍ، وكان ذلك يومُهَا، فأبطأتْ في المسيرِ، فاستقبلَهَا رسولُ اللهِ وهي تبكي وتقولُ: حملتنِي على بعيرٍ بطيءٍ، فجعلَ رسولّ اللهِ يمسحُ بيديهِ عينيهَا ويسكتهَا» . (السنن الكبرى)، كما تذكرُ السيرةُ تبسمَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وممازحتَهُ وتلطفَهُ لأهلِ بيتهِ في غيرِ إهانةٍ أو ظلمٍ، ومعاونتَهُ لهم في شُئُونِ بيتِهِ، ومنازعتَهُ ومراجعتَهُ من لدن أهلِ بيتهِ، فما أحوجَنَا أنْ نرويِ أنفسَنَا من هذا النبعِ الصافيِ، والخُلقِ الوافِي خاصةً في زمنٍ يطولُ عجبُكَ من حالِ بعضِ الرجالِ، يجودُ خارجًا بالكلامِ الحَسَنِ، وطولِ التبسمِ مع أصحابِهِ ورفاقِهِ، حتى إذا أغلقَ منزلَهُ، وخلا بأهلِهِ تغيَّرتْ شخصيتُهُ، فلا ترى إلا العبوسَ والتهجمَ، والغلظةَ والقسوةَ، ولغةَ التأفُّفِ!! مع أنّ أهلَ بيتهِ ومَنْ جعلَ اللهُ بينهُ وبينهُم مودَّةً ورحمةً هم أولَى الناسِ بالبشاشةِ، وأسعدُ الناسِ بهذا الخُلُقِ .
*وسائلٌ مشروعةٍ للزوجينِ في حالةِ انعدامِ العلاقةِ بينهما: شرعَ الإسلامُ «الطلاقَ» للرجلِ و«الخلعَ» للمرأةِ حالةَ استحالةِ العشرةِ، وامتناعِ دوامِ الحياةِ بينهما قال تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ﴾، مع إعطاءِ كلٍّ منهما حقوقَهُ كاملةً دونَ إجحافٍ أو تسويفٍ، حتى يحفظَ الأسرةَ والأولادَ من الضياعِ والتشردِ، وقد أمرَ ربُّنَا -عندَ انهاءِ العلاقةِ الزوجيةِ – تذكرَ ما كان بينهمَا في سالفِ الأيامِ؛ لأنّ هذا أدعَى لترقيقِ القلوبِ، وحفظِ ماءِ الوجوهِ، فقال تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ، لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا» (أحمد) .
*المشاركةُ في تربيةِ الأولادِ: لقد ضبطَ الإسلامُ إنجابَ الأولادِ بضوابطٍ محكمةٍ تضمنُ إخراجَ ذريةً طيبةً تَقَرُّ بها الأعينُ، ويتقدمُ بها المجتمعُ والوطنُ، وذلك بوجودِ نسلٍ قويٍّ خالٍ من الأمراضِ الوراثيةِ، والعُقدِ النفسيةِ، والمشاكلِ الاجتماعيةِ، مع ضرورةِ المحافظةِ على صحةِ الأمهاتِ، والبعدِ عما يؤذيهِنَّ قال تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾، فالضررُ مرفوعٌ ومزالٌ فى شريعةِ الإسلامِ فى كلِّ حالٍ مصداقًا لقولِ الحبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) .
كما أمرَ دينُنَا الزوجينِ معًا المشاركةَ في إعدادِ وتربيةِ الأولادِ سواءٌ كان ذلك خلقيًّا، أو علميًّا، أو بدنيًّا، أو اجتماعيًّا، ولم يجعلْ المسئوليةَ ملقاةً على عاتقِ أحدهِمَا دونَ الآخرِ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه)، لذا يجبُ عليهما تنشئةُ الأولادِ على القيمِ الصحيحةِ، والأخلاقِ الرفيعةِ، والعاداتِ والتقاليدِ النافعةِ، وغرسِ المعانى الساميةِ كحبِّ الخيرِ، والأعمالِ الصالحةِ، وأهميةِ الوقتِ وتنظيمِهِ، وحبِّ الأوطانِ والنهوضِ بها، والبعدِ عن رفقاءِ السوءِ، كما يجبُ أنْ نوفرَ لهم الأمانَ والاستقرارَ الأسري حتى نُخرجَ منهم شخصيةً نعتزُّ ونفتخرُ بها، وتكونُ طريقًا لنا للفوزِ بخيري الدنيا والآخرةِ.
نسألُ اللهَ أنْ يهبَ لنا من أزواجِنا وأولادِنا ما يقرُّ به أعينَنَا، ويخدمُ به ديننَا ووطننَا، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمناً أماناً، سلماً سلاماً وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنا لما فيه نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف